الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **
الموطنين بسائط المغرب وبطونهم من هذه الطبقة هؤلاء الأحياء بالمغرب لهذا العهد فيهم بطون من قرة والعاصم ومقدم والأثبج وجشم والخلط. وغلب عليهم جميعاً اسم جشم فعرفوا به. وهم: جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن. وكان أصل دخولهم إلى المغرب: إن الموحدين لما غلبوا على إفريقية أذعنت لهم هؤلاء القبائل من العرب طوعاً وكراهية. ثم كانت فتنة ابن غانية فأجلبوا فيها وانحرفوا عن الموحدين وراجعوا الطاعة لعهد المنصور فنقل جمهور هؤلاء القبائل إلى المغرب ممن له كثرة وشوكة وظواعن ناجعة. فنقل العاصم ومقدم من بطون الأثبج ومعهم بطون ونقل جشم هؤلاء الذين غلب اسمهم على من معهم من الأحياء وأنزلهم تامستا. ونقل رياحاً وأنزلهم الهبط فنزل جشم بتامستا البسيط الأفيح ما بين سلا ومراكش أوسط بلاد المغرب الأقصى وأبعدها عن الثنايا المفضية إلى القفار لإحاطة جبل درن بها وشموخه بأنفه حذاءها ووشوج أعراقه حجراً عليها فلم ينتجعوا بعدها قفراً ولا أبعدوا رحلة وأقاموا بها أحياء حلولاً وافترقت شعوبهم بالمغرب إلى الخلط وسفيان وبنى جابر. وكانت الرئاسة لسفيان من بينهم في أولاد جرمون سائر أيام الموحدين. ولما وهن أمر بني عبد المؤمن وفشلوا وذهبت ريحهم استكثروا بجموعهم فكانت لهم سورة غلب واعتزاز على الدولة بكثرتهم وقرب عهدهم بالبداوة وضربوا بين الأعياص وظاهروا الخلافة وأكثروا الفساد وساءت آثارهم في البغي. ولما اقتحم بنو مرين بلاد المغرب على الموحدين وملكوا فاس وقريتها لم تكن فيه حامية أشد منهم بأساً ومن رياح لقرب العهد بالبداوة فكانت لهم معهم وقائع وحروب استلحمهم فيها بنو مرين إلى أن حق الغلب واستكانوا لعز بني مرين وصولتهم وأعطوهم صفقة الطاعة وأصهر بنو مرين منهم إلى الخلط في بيت بني مهلهل فكان في جملة بني مرين وكانت لهم الجولة للملك. واستقرت رياسة جشم وأكثرهم في الخلط منهم في لبث مهلهل بعد أن كانت على عهد الموحدين في سفيان. ثم ضربت الأيام ضرباتها وأخلقت جدتهم وفشلوا وذهبت ريحهم ونسوا عهد البداوة والناجعة وصاروا في عداد القبائل الغارمة للجباية والعسكرة مع السلطان ولنذكر الآن فرقهم الأربع وأحياء كل واحدة منها ونحقق الكلام في أنسابهم: فليست راجعة إلى جشم على ما يتبين. ولكن الشهرة بهذا النسب متصلة والله أعلم بحقائق الأمور.
وجشم المعهود هو جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن أو لعله جشم آخر من غيرها. وكان شيخهم المشهور لعهد المأمون وبنيه جرمون بن عيسى. ونسبه فيما يزعم بعض المؤرخين أيام الموحدين في بني قرة وكانت بينهم وبين الخلط فتن طويلة وكان الخلط شيعة للمأمون وبنيه فصار سفيان لذلك شيعة ليحيى بن الناصر منازعه في الخلافة بمراكش. ثم قتل الرشيد مسعود بن حميدان شيخ الخلط كما نذكر بعد فصاروا إلى يحيى بن الناصر. وصار سفيان إلى الرشيد. ثم ظهر بنو مرين بالمغرب واتصلت حروبهم مع الموحدين. ونزع جرمون سنة ثمان وثلاثين عن الرشيد ولحق بمحمد بن عبد الحق أمير بني مرين حياء مما وقع له معه وذلك سنة ثمان وثلاثين. وذلك أنه نادمه ذات ليلة حتى سكر وحمل عليه وهو سكران يرقص فرقص طرباً. ثم أفاق فندم وفر إلى محمد بن عبد الحق وذلك سنة ثمان وثلاثين وستمائة وهلك سنة تسع وثلاثين بعدها. وعلا كعب كانون ابنه من بعده عند السعيد وخالف عليه عند نهوضه إلى بني مرين سنة ثلاث وأربعين. ورجع إلى أزمور فملكها. وفت ذلك في عضد السعيد فرجع عن حركته وقصد كانون بن جرمون ففر أمامه وحضر حركته إلى تامزردكت وقتل قبل مهلكه بيوم قتله الخلط في فتنة وقعت بينهم في محلة السعيد وهي التي جرت عليها تلك الواقعة. وقام بأمر سفيان من بعده أبوه يعقوب بن جرمون وقتل محمد ابن أخيه كانون. وقام بأمر سفيان وحضر مع المرتضى حركة أمان إيملولين سنة تسع وأربعين فرحل عن السلطان واختل عسكره ورجع فاتبعه بنو مرين وكانت الهزيمة. ثم رجع المرتضى وعفا له عنها ثم قتله سنة تسع وخمسين مسعود وعلي ابنا أخيه كانون بثأر أبيهما ولحقا بيعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين وقدم المرتضى ابنه عبد الرحمن فعجز عن القيام بأمره فقدم عمه عبيد الله بن جرمون فعجز فقدم مسعود بن كانون ولحق عبد الرحمن ببني مرين. ثم تقبض المرتضى على يعقوب بن قيطون شيخ بني جابر وقدم عوضاً منه يعقوب بن كانون السفياني. ثم راجع عبد الرحمن بن يعقوب سنة أربع وخمسين فتقبض عليه واعتقل. وأقام مسعود بن كانون شيخاً على سفيان. وكان لابني عمه معه ظهوروهما: حطوش وعيسى ابنا يعقوب بن جرمون. ونزع مسعود عن يعقوب مقامه إلى أن هلك سنة سبع وستين ابن عبد الحق ولحق بسكورة وشب نار الفتنة والحرب وأقيم حطوش بن يعقوب مقامه إلى أن هلك سنة تسع وستين فولي مكانه أخوه عيسى. وهلك مسعود بسكورة سنة ثمانين ولحق ابنه منصور بن مسعود بالسكسيوي إلى أن راجع الخدمة أيام يوسف بن يعقوب. ووفد عليه بعسكره من حصار تلمسان سنة ست وسبعمائة فتقبله. واتصلت الرئاسة على سفيان في بني جرمون هؤلاء إلى عهدنا. وأدركت شيخاً عليهم لعهد السلطان أبي عنان يعقوب بن علي بن منصور بن عيسى بن يعقوب بن جرمون بن عيسى. وكان سفيان هؤلاء حياً حلولاً بأطراف تامستا مما يلي أسفى وملك بسائطها الفسيحة عليهم الخلط. وبقي من أحيائهم الحرث والكلابية ينتجعون أرض السوس وقفاره ويطلبون ضواحي بلاد جاجة من المصامدة فبقيت فيهم لذلك شدة وبأس ورياستهم في أولاد مطاوع من الحرث. وطال عيثهم في ضواحي مراكش وإفسادهم. فلما استبد سلطان مراكش الأمير عبد الرحمن بن أبي يفلوسن علي ابن السلطان أبي علي سنة ست وسبعين وسبعمائة كما نذكر استخلصهم ورفع منزلتهم. واستقدمهم بعض أيامه للعرض بفرسانهم ورجلهم على العادة وشيخهم منصور بن يعيش من أولاد مطاع. وتقبض عليهم أجمعين وقتل من قتل منهم وأودع الآخرين سجونه فذهبوا مثلاً في الأيام وخصدت شوكتهم والله قادر على ما يشاء.
هذا القبيل يعرف بالخلط وهم في عداد جشم هؤلاء لكن المعروف أن الخلط بنو المنتفق من بني عامر بن عقيل بن كعب كلهم شيعة للقرامطة بالبحرين ولما ضعف أمر القرامطة استولى بنو سليم على البحرين بدعوة الشيعة. ثم غلبهم عليها بنو أبي الحسين من بطون تغلب بالدعوة العباسية فارتحل بنو سليم وبنو المنتفق من هؤلاء المسمون بالخلط إلى إفريقية وبقي سائر بني عقيل بنواحي البحرين إلى أن غلب منهم على التغلبيين بنوعامر بن عوف بن مالك بن عوف بن مالك بن عوف بن عامر بن عقيل إخوة الخلط هؤلاء لأنهم فى المغرب منسوبون إلى جشم تخليطاً في النسب ممن يحققه العوام. ولما أدخلهم المنصور إلى المغرب كما قلناه استقروا ببسائط تامستا فكانوا أولي عدد وقوة وكان شيخهم هلال بن حميدان بن مقدم بن محمد بن هبيرة بن عواج لا نعرف من نسبه أكثر من هذا. فلما ولي العادل بن منصور خالفوا عليه وهزموا عساكره وبعث هلال ببيعته إلى المأمون سنة خمس وعشرين واتبعه الموحدون في ذلك. وجاء المأمون وظاهروه على أمره وتحيز أعداؤهم سفيان إلى يحيى بن الناصر منازعه. ولم يزل هلال مع المأمون إلى أن هلك في حركة سبتة وبايع بعده لابنه الرشيد وجاء به إلى مراكش وهزم سفيان واستباحهم. ثم هلك هلال وولي أخوه مسعود وخالف على الرشيد عمر بن أوقاريط شيخ الهساكرة من الموحدين وكان صديقاً لمسعود بن حميدان فأغراه بالخلاف على إكسز السلطان فخالف. وحاول عليه الرشيد حتى قدم عليه بمراكش وقتله في جماعة من قومه سنة اثنتين وثلاثين. وولي أمر الخلط بعده يحيى ابن أخيه هلال وتحيز بقومه إلى يحيى بن القاص وحصروا مراكش ومعهم ابن أوقاريط. وخرج الرشيد إلى سجلماسة واستولوا على مراكش وعاثوا فيها. ثم جاء الرشيد سنة ثلاث وثلاثين وغلبهم عليها ولحق ابن أوقاريط بالأندلس. وأبدى علي بن هود بيعة الخلط وعلموا أنها حيلة من ابن أوقاريط وأنه تخلص من الورطة فطردوا عنهم يحيى بن الناصر إلى معقل. وراجعوا الرشيد فتقبض على علي ووشاح ابني هلال وسجنهم بأزمور سنة خمس وثلاثين. ثم أطلقهم ثم غدر بعد ذلك بمشيختهم بعد الاستدعاء والتأنيس وقتلهم جميعاً مع عمر بن أوقاريط كان أهل إشبيلية بعثوا به إليه ثم حضروا مع السعيد في حركته إلى بني عبد الواد وجروا عليه الواقعة حتى قتل فيها بفتنتهم مع سفيان يومئذ. فلم يزل المرتضى يعمل الحيلة فيهم إلى أن تقبض على أشياخهم سنة اثنتين وخمسين وقتلهم ولحق عواج بن هلال ببني مرين وقدم المرتضى عليهم علي بن أبي علي من بيت الرئاسة فيهم. ثم رجع عواج سنة أربع وخمسين وأغزاه علي بن أبي علي فقتل في غزاته. ثم كانت واقعة أم الرجلين على المرتضى سنة ستين فرجع علي بن أبي علي إلى بني مرين. ثم صار الخلط كلهم إلى بني مرين. وكانت الرئاسة فيهم لأول سلطان لبني مرين لمهلهل بن يحيى بن مقدم. وأصهر إليه يعقوب بن عبد الحق فأنكحه ابنته التي كان منها ابنه السلطان أبو سعيد. ولم يزل مهلهل عليهم إلى أن هلك سنة خمس وتسعين ثم ابنه عطية. وكان لعهد السلطان أبي ولما هلك قام بأمره أخوه عيسى بن عطية ثم ابن أخيهما زمام بن إبراهيم بن عطية وبلغ إلى المبالغ من العز والترف والدالة على السلطان والقرب من مجلسه إلى أن هلك فولي أمره ابنه أحمد بن إبراهيم ثم أخوه سليمان بن إبراهيم ثم أخوهما مبارك على مثل حالهم أيام السلطان أبي عنان ومن بعده إلى أن كانت الفتنة بالمغرب بعد مهلك السلطان أبي سالم واستولى على المغرب أخوه عبد العزيز وأقطع ابنه أبا الفضل ناحية مراكش فكان مبارك هذا معه. ولما تقبض على أبي الفضل تقبض على مبارك وأودع السجن إلى أن غلب السلطان عبد العزيز على عامر بن محمد وقتله فقتل معه مبارك هذا لما كان يعرف به من صحابته ومداخلته في الفتن كما يذكر في أخبار بني مرين وولي ابنه محمد على قبيل الخلط إلا أن الخلط اليوم دثرت كأن لم تكن بما أصابهم من الخصب والترف منذ مائتين من السنين بذلك البسيط الأفيح زيادة للعز والدعة فأكلتهم السنون وذهب بهم الترف والله غالب على أمره. بنو جابر بن جشم بنو جابر هؤلاء من عداد جشم بالمغرب وربما يقال إنهم من سدراتة إحدى فرق زناتة أو لواتة والله أعلم بذلك. وكان لهم أثر في فتنة يحيى بن الناصر بما كانوا معه من أحزابه ولما هلك يحيى بن الناصر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بعث الرشيد بقتل شيخهم قائد بن عامر وأخيه قائد وولي بعده يعقوب بن محمد بن قيطون. ثم اعتقله يعلو قائد الموحدين بعثة المرتضى لذلك. وقدم يعقوب بن جرموق وولي مشيخة بني جابر إسمعيل بن يعقوب بن قيطون. ثم تحيز بنو جابرهؤلاء من أحياء جشم إلى سفح الجبل بتادلا ومأ إليها بجاورون هناك صناكة الساكنين بقشته وهضابه من البربر فيسهلون إلى البسيط تارة ويأوون إلى الجبل في حلف البربر وجوارهم أخرى إذا دهمتهم مخافة من السلطان أو ذي غلبة. والرئاسة فيهم لهذه العصور في ورديقة من بطونهم أدركت شيخاً عليهم لعهد السلطان أبي عنان حسين بن علي الورديقي. ثم هلك وأقيم مقامه الناصر ابنه. ولحق بهم الوزير الحسن بن عمر عند نزوعه عن السلطان أبي سالم سنة ستين وسبعمائة. ونهضت إليهم عساكر السلطان فأمكنوا منه. ثم لحق بهم أبو الفضل بن السلطان أبي سالم عند فراره عن مراكش سنة ثمان وستين. ونازله السلطان عبد العزيز وأحيط به فلحق برابرة صناكة من قومه. ثم أمكنوا منه على مال حمل إليهم ولحق بهم أثناء هذه الفتن الأمير عبد الرحمن يغلوسن على عهد الوزير عمر بن عبد الله المتغلب على المغرب. وطلبه عمر فأخرجوه عنهم وطال بذلك مراس الناصر هذا للفتنة فنكرته الدولة وتقبض عليه وأودع السجن فمكث فيه سنين وتجافت الدول عنه من بعد ذلك وأطلق عقالهم. ثم رجع من المشرق فتقبض عليه الوزير أبو بكر بن غازي المستبد بالمغرب على ابن السلطان عبد العزيز وأودعه السجن ونقلوا الرئاسة عن بني علي هؤلاء والله يقلب الليل والنهار. وقد يزعم كثير من الناس أن ورديقة من بني جابر ليسوا من جشم وأنهم بطن من بطون سدراتة إحدى شعوب لواتة من البربر ويستدلون على ذلك بمواطنهم وجوارهم للبربر والله أعلم بحقيقة ذلك. العاصم ومقدم من الأثبج هؤلاء الأحياء من الأثبج كما ذكرنا في أنسابهم ونزلوا تامستا معهم وكانت لهم عزة وعلياء إلا أن جشم أعز منهم لمكان الكثرة. وكان موطنهم بسيط تامستا وكانت للسلطان عليهم عسكرة وجباية شأن إخوانهم من جشم. وكان شيخ العاصم لعهد الموحدين ثم عهد المأمون منهم حسن بن زيد وكان له أثر في فتنة يحيى بن الناصر. ولما هلك سنة ثلاث وثلاثين أمر الرشيد بقتل حسن بن زيد مع قائد وفائد ابني عامر شيوخ بني جابر فقتلوا جميعاً. ثم صارت الرئاسة لأبي عياد وبنيه وكان بينهم لعهد بني مرين عياد بن أبي عياد وكان له تغلب في النفرة والاستقامة. فر إلى تلمسان ورجع منها أعوام تسعين وستمائة. وفر إلى السوس ورجع منه سنة سبع وسبعمائة ولم يزل دأبه هذا. وكانت له ولاية مع يعقوب بن عبد الحق من قبل ذلك ومقاماته في الجهاد مذكورة. وبقيت رئاسته في بنيه إلى أن انقرض أمرهم وأمر مقدم ودثروا وتلاشوا والله خير الوارثين.
الخبر عن رياح وبطونهم من هلال بن عامر من هذه الطبقة الرابعة كان هذا القبيل من أعز قبائل هلال وأكثرهم جمعاً عند دخولهم إفريقية وهم فيما ذكره ابن الكلبي: رياح بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر وكانت رئاستهم حينئذ لمؤنس بن يحيى الصنبري من بطون مرداس بن رياح. وكان من رجالاتهم لذلك العهد الفضل بن علي مذكور في حروبهم مع صنهاجة وكانت بطونهم عمرو ومرداس وعلى كلهم بنو رياح وسعيد بن رياح وخضر بن عامر بن رياح وهم الأخضر. ولمرداس بطون. كثيرة: داود بن مرداس وصنبر بن حواز بن عقيل بن مرداس وإخوتهم: مسلم بن عقيل. ومن أولاد عامر بن يزيد بن مرداس بطون أخرى منهم: بنو موسى بن عامر وجابر بن عامر. وقد يقال إنهم من لطيف كما قدمناه وسودان ومشهور ومعاوية بنو محمد بن عامر بطون ثلائة. واسم سودان علي بن محمد. وقد يقال أيضاً أن المشاهرة وهم بنو مشهور بن هلال بن عامر من نمير رياح والله أعلم. والرئاسة على رياح في هذه البطون كلها لمرداس وكانت عند دخولهم إفريقية في صنبر منهم. ثم صارت للدواودة أبناء داود بن مرداس بن رياح. ويزعم بنو عمرو بن رياح أن أباهم كفله ورباه. وكان رئيسهم لعهد الموحدين مسعود بن سلطان بن زمام بن رديني بن داود وكان يلقب البلط لشدته وصلابته. ولما نقل المنصور رياحاً إلى المغرب تخلف عساكر أخو مسعود في جماعات منهم لما بلاه السلطان من طاعته وانحياشه وأنزل مسعوداً وقومه لبلاد الهبط ما بين قصور كتامة المعروف بالقصر الكبير إلى إزغار البسيط الفسيح هناك إلى ساحل البحر الأخضر واستقروا هنالك. وفرمسعود بن زمام من بينهم في لمة من قومه سني تسعين وخمسمائة ولحق " بإفريقية واجتمع إليه بنو عساكر أخيه ولحقوا بطرابلس ونزلوا على زغب وذياب يتقلبون بينهم. ثم نزع إلى خدمة قراقش وحضر معه بقومه فتح طرابلس كما نذكره في أخبار قراقش. ثم رجع إلى ابن غانية الميورقي ولم يزل في خلافة ذلك إلى أن هلك وقام بأمره من بعده ابنه محمد. وكانت له رئاسة وغناء في فتنة الميورقي مع الموحدين. ولما غلب أبو محمد بن أبي حفص يحيى الميورقي مع الموحدين سنة ثماني عشرة على الحمة من بلاد الجريد وقتل من العرب من قتل كان فيمن قتله ذلك اليوم عبد الله بن محمد هذا وابن عمه أبو الشيخ بن حركات بن عساكر. ولما هلك الشيخ أبو محمد رجع محمد بن مسعود إلى إفريقية وغلب عليها واجتمع إليه حلف الأثبج ظواعن من الضحاك ولطيف فكاثروه واعتزوا به على أقتالهم من دريد وكرفة إلى أن عجزت ظواعن الضحاك ولطيف عن الرحلة وافترقوا في قرى الزاب وصدرة. وبقي محمد بن مسعود يتغلب في رحلته. وصارت رئاسة البدو في ضواحي إفريقية ما بين قسطيلية والزاب والقيروان والمسيلة له ولقومه. ولما هلك يحيى بن غانية من العرب من بني سليم والرياح سنة إحدى وثلاثين كما نذكره انقطع ملكهم واستغلظ سلطان أبي حفص. واستقل منهم الأمير يحيى بن عبد الواحد بخطبة الخلافة عندما فسد كرسيها بمراكش وافترق أتباع يحيى بن غانية من العرب من بني سليم والرياح فنكر آل أبي حفص هؤلاء الدواودة ومكانهم من الوطن مما سلف من عنادهم ومشايعتهم لابن الغانية. عدوهم فجاجاً الأمير أبو زكريا في بني سليم من مواطنهم لذلك العهد بقابس وطرابلس وما إليها. والتقدم فيهم يومئذ لمرداس والكعوب كما نذكره في أخبارهم واصطنعوهم لمشايعة الدولة. وضربوا بينهم وبين قبائل رياح وأنزلوهم بالقيروان وبلاد قسطيلية وكانت أبة لمحمد بن مسعود. ووفد عليه في بعض السنين وفد مرداس يطلبون المكيل وينزلون عليهم فشرهوا إلى نعمتهم وقاتلوهم عليها وقتلوا رزق بن سلطان عم محمد بن مسعود فكانت بينهم وبين رياح أيام وحروب حتى رحلوهم عن جانب المشرق من إفريقية وأصاروهم إلى جانبها الغربي. وملك الكعوب ومرداس من بني سليم ضواحي الجانب الشرقي كلها من قابس إلى بونة ونفطة. وامتاز الدواودة بملك ضواحي قسطنطينة وبجاية من التلول ومجالات الزاب وريغ وواركلا وما وراءها من القفار في بلاد القبلة. وهلك محمد بن مسعود فولى رئاسته موسى بن محمد وكان له صيت وغناء في قومه واعتزاز على الدولة. ولما هلك يحيى بن عبد الواحد بويع ابنه محمد المستنصر الطائر الذكر المشهود له في الشهرة. وخرج عليه أخوه إبراهيم فلحق بالدواودة هؤلاء فبايعوه بجهات قسطنطينة واتفقوا على تقديمه ونهض إليه المستنصر سنة ست وستين وستمائة ففروا أمامه وافترق جمعهم وتحيز إليه بنو عساكر ابن سلطان منهم ورئاستهم يومئذ لولد مهدي بن عساكر. ونبذوا العهد إلى إبراهيم بن يحيى ولحقوا بتلمسان. وأجاز البحر إلى الأندلس وأقام بها في جوار الشيخ ابن الأحمر. ثم هلك موسى بن محمد وولي رياسته ابنه شبل بن موسى واستطال على الدولة وكثر عيشهم فنبذ المستنصر عهدهم ونهض إليه بعساكره وجموعه من الموحدين والعرب من بني سليم وأولاد عساكر إخوانهم وعلى مقدمته الشيخ أبو هلال عياد بن محمد الهتاني وكان يومئذ أميراً ببجاية. وحاول عليهم فاستقدم رؤساءهم شبل بن موسى بن محمد بن مسعود وأخاه يحيى وسباع بن يحيى بن دريد بن مسعود. وحداد بن مولاهم بن خنفر بن مسعود وفضل بن ميمون بن دريد بن مسعود ومعهم دريد بن تازير شيخ أولاد نابت من كرفة فتقبض عليهم لحين قدومهم وضرب أعناقهم في مصرع واحد ابن راية حيث بايعوا أبا إسحق أخاه والقاسم بن أبي زيد بن أبي حفص النازع إليهم لطلب الخروج على الدولة. وافترقت ظواعنهم وفروا أمامه واتبعهم إلى آخر الزاب. وترك شبل بن موسى سباعاً ابنه طفلاً صغيراً فكفله عمه مولاهم ابن موسى ولم تزل الرئاسة بهم وترك سباع ابنه يحيى أيضاص طفلاً فكفله عمه طلحة بن يحيى ولحق فلهم بملوك زناتة بالمغرب فأولاد محمد لحقوا بيعقوب بن عبد الحق بفاس وأولاد سباع بن يحيى لحقوا بيغمراسن بن زيان بتلمسان فكسوهم وحملوهم فارتاشوا وقاتلوا واحتالوا وزحفوا إلى مواطنهم فتغلبوا على أطراف الزاب من واركلان وقصور ريغ وصيروها سهاماً بينهم وانتزعوها للموحدين فكان آخر عهدهم بملكها. ثم تقدموا إلى بلاد الزاب وجمع لهم عاملها أبو سعيد عثمان بن محمد بن عثمان ويعرف بابن عتوا من رؤساء الموحدين. وكان منزله بمقرة فزحف إليهم بمكانهم من الزاب وأوقعوا به وقتلوه بقلطاوة وغلبوا على الزاب وضواحيه لهذا العهد. ثم تقدموا إلى جبل أوراس فغلبوا على من به من القبائل. ثم تقدموا إلى التل وجمع لهم من كان به من أولاد عساكر وعليهم موسى بن ماضي بن مهدي بن عساكر فجمع قومه ومن في حلفهم من عياض وغيرهم. وتزاحفوا فغلبهم أولاد مسعود وقتلوا شيخهم موسى بن ماضي وتولوا الوطن بما فيه. ثم تلافت الدولة أمرهم بالاصطناع والاستمالة وأقطعوهم ما غلبوا عليه من البلاد بجبل أوراس والزاب ثم الأمصار التي بالبسيط الغربي من جبل أوراس المسمى عندهم بالحصنة وهي نقاوس ومقرة والمسيلة واختص أقطاع المسيلة بسباع بن شبل بن يحيى من بعد ذلك فهي في قسم بنيه وسهامهم. واختص أقطاع مقرة بأحمد بن عمر بن محمد وهو ابن عم شبل بن موسى بن سباع ونقاوس بأولاد عساكر. ثم هلك سباع بن شبل وقام بأمرهم ابنه عثمان ويعرف بالعاكر فنازعه الرئاسة بنو عمه علي بن أحمد بن عمر بن محمد بن مسعود بن دريد بن مسعود وفرقوا جماعة بني مسعود هؤلاء بعد أن كانوا جميعاً وصاروا فريقين: أولاد محمد بن مسعود وأولاد سباع بن يحيى وسليمان بن علي بن سباع بن يحيى. ولم يزالوا كذلك لهذا العهد ولهم تغلب على ضواحي بجاية وقسطنطينة ومن بها من سدويكش وعياض وأمثالهم. ورئاسة أولاد محمد الآن ليعقوب بن علي بن أحمد وهو كبير الدواودة بمكانه وسنه وله شهرة وذكر ومحل من السلطان متوارث. ورياسة أولاد سباع في أولاد علي بن سباع وأولاد عثمان بن سباع. وأولاد علي أشرف منهم وأعز بالكثرة والعدد. ورئاستهم في بلد يوسف بن سليمان بن علي بن سباع ويرادفهم أولاد يحيى بن علي بن سباع. واختص أولاد محمد بنواحي قسطنطينة وأقطعتهم الدول كثيراً من أريافها. واختص أولاد سباع بنواحي بجاية وأقطاعهم فيها قليل لمنعة بجاية وضواحيها عن ضيم العرب ولغلبهم بالجبال المطيفة بها وتوعر مسالكها على رواحل الناجعة. وأما ريع وواركلا فقسمت بينهم منذ عهد سلفهم كما قلناه. وأما الزاب فالجانب الغربي منه وقاعدته طولقة لأولاد محمد وأولاد سباع بن يحيى وكانت لأبي بكر بن مسعود فلما ضعف بنوه ودثروا اشتراها منهم علي بن أحمد شيخ أولاد محمد وسليمان بن علي شيخ أولاد سباع. واتصلت بينهم بسببها الفتنة وصارت في مجالات أولاد سباع بن يحيى فصار غلب سليمان وبنيه عليها أكثر. والجانب الوسط وقاعدته بسكرة لأولاد محمد وفي مجالاتهم. وليعقوب بن علي على عامله بسبب ذلك سلطان وعزة وله به تمسك وإليه انحياش في منعته من الدولة واستبداده بوطنه وحماية ضواحيه من عبث الأعراب وفسادهم غالب الأوقات. وأما الجانب الشرقي من الزاب وقاعدته بادس وتنومة فهو لأولاد نابت رؤساء كرفة بما هو من مجالاتهم وليس هو من مجالات رياح. إلا أن عمال الزاب تأخذ منه في الأكثر جباية غير مستوفاة بعسكر لها إلا في بعض الأحايين ببادية رياح بإذن من كبيرهم يعقوب وإشراكه في الأمر. وبطون رياح كلها تبع لهؤلاء الدواودة ومقتسمون عليهم وملتمسون مما في أيديهم وليس لهم في البلاد ملك يستولون عليه. وأشدهم قوة وأكثرهم جمعاً بطون سعيد ومسلم والأخضر يبعدون النجعة في القفار والرمال ويسخرون الدواودة في فتنة بعضهم مع بعض ويختصون بالحلف فريقاً دون آخر. فسعيد أحلاف لأولاد محمد سائر أيامهم إلا قليلاً من الأحيان ينابذونهم ثم يراجعونهم ومسلم والأخضر أحلاف لأولاد سباع كذلك إلا في بعض الأحايين. فأما سعيد فرئاستهم لأولاد يوسف بن زيد منهم في ولد ميمون بن يعقوب بن عريف بن يعقوب بن يوسف وأردافهم أولاد عيسى بن رحاب بن يوسف وهم ينتسبون بزعمهم إلى بني سليم في أولاد القرس من سليم. والصحيح من نسبهم أنهم من رياح بالحلف والموطن. ومع أولاد يوسف هؤلاء لفائف من العرب يعرفون بالمخادمة والغيوث والفجور فاما المخادمة والغيوث من أبناء مخدم فمن ولد مشرف بن أثبج وأما الفجور فمنهم من البرابر لواتة وزناتة إحدى بطونهم وفيهم من نفاث. فأما نفاث فمن بطون جزام وسيأتي ذكرهم وأما زناتة فهم من بطون لواتة كما ذكرناه في بني جابر وتادلا كثير منهم وأجاز منهم إلى العدوة لعهد بني الأحمر سلطان الزناري وكانت له في الجهاد آثار. وذكروا أن منهم بأرض مصر والصعيد كثيراً. وأما أحلاف أولاد محمد من الدواودة فبطن من رباب بن سودات بن عامر بن صعصعة اندرجوا في أعداد رياح ولهم معهم ظعن ونجعة ولهم مكان من حلفهم ومظاهرتهم. وأما أحلاف أولاد سباع من مسلم والأخضر فقد قدمنا أن مسلماً من أولاد عقيل بن مرداس بن رياح أخو حواز بن رياح بعضهم ينتسب إلى الزبير بن العوام وهو غلط. ويقول بعض من ينكر عليهم إنما هو نسب إلى الزبير بن المهاية الذين هم من بطون عياض كما ذكرناه. ورئاسته في أولاد جماعة بن مسلم بن حماد بن مسلم بين أولاد تساكر بن حامد بن كسلان بن غيث بن رحال بن جماعة. وبين أولاد زرارة بن موسى بن قطران بن جماعة. وأما الأخضر فيقولون إنهم من ولد خضر بن عامر وليس عامر بن صعصعة. فإن أبناء عامر بن صعصعة معروفون كلهم عند النسابين. وإنما هو والله أعلم عامر آخر من أولاد رياح. ولعله عامر بن زيد بن مرداس المذكور في بطونهم: أولهم من الخضر الذين هم ولد مالك بن طريف بن مالك بن حفصة بن فيس عيلان. ذكرهم صاحب الأغاني وقال: إنما سموا الخضر لسوادهم والعرب تسمي الأسود أخضر. قال: وكان مالك شديد السمرة فأشبهه ولده. ورياستهم في أولاد تامر بن علي بن تمام بن عمار بن خضر بن عامر بن رياح واختصت مرين بأولاد عامر ولد عامر بن صالح بن عامر بن عطية بن تامر. وفيهم بطن آخر لزائده بن تمام بن عمار. وفي رياح أيضاً بطن من عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار ويظعنون مع باديتهم. وأما من نزل من رياح ببلاد الهبط حيث أنزلهم المنصور فأقاموا هنالك بعد رحلة رئيسهم مسعود بن زنان بتلك المواطن إلى أن انقرضت دولة الموحدين وكان عثمان بن نصر رئيسهم أيام المأمون وقتله سنة ثلاثين وستمائة. ولما تغلب بنو مرين على ضواحي المغرب ضرب الموحدون على رياح هؤلاء البعث مع عساكرهم فقاموا بحماية ضواحيهم وتحيز لهم بنو عسكر بن محمد بن محمد من بني مرين حين كانوا حرباً لإخوانهم بني حمامة بن محمد سلف الملوك منهم لهذا العهد فكانت بين الفريقين جولة قتل فيها عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن جماعة أبو الملك وابنه إدريس فأوجدوا السبيل لبني مرين على أنفسهم في طلب الترة والدماء فأثخنوا فيهم واستلحموهم قتلاً وسبياً مرة بعد أخرى. وكان آخر من أوقع بهم السلطان أبو ثابت حافد يوسف بن يعقوب سنة سبع وسبعمائة تتبعهم بالقتل إلى أن لحقوا برؤوس الهضاب وأسنمة الربى المتوسطة في المرج المستبحر بازغار فصاروا إلى عدد قليل ولحقوا بالقبائل الغارمة. ثم دثروا وتلاشوا شأن كل أمة والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا رب غيره ولا معبود سواه وهو نعم المولى ونعم النصير عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير. نسأله سبحانه وتعالى من فيض فضله العميم ونتوسل إليه بجاه نبيه الكريم أن يرزقنا إيماناً دائماً وقلباً خاشعاً وعلماً نافعاً ويقيناً صادقاً وديناً قيماً والعافية من كل بلية وتمام العافية ودوام العافية والشكر على العافية والغنى عن الناس وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الأخرة وأن يرزقنا من فضله وكرمه إيماناً لا يرتد ونعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع. ومرافقة نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد بمنه وكرمه إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
|